وعِبادُ الرحمن الذين يَمشون على الأرضِ هَوناً وإذا خاطبهم الجاهِلون قالوا سلاماً

 إن الآيات من ثلاثة وستون إلى سبعة وسبعون في سورة الفرقان حملت صفات العباد الذين يستحقّون بها منزِلة رفيعة من الجنة والتي أُشير إليها في الآية الكريمة رقم خمسة وسبعون بـ (الغُرُفة) "أولئك يُجزَون الغُرُفة بِما صبَروا ويُلَقّون فيها تحيةً وسلاماً"، ولكنني اقتصرت بالذِّكر على الآيتين الأولى من تلك الآيات ليكون الاستشهاد بموقف أذكره أبلغ ومُطابِق لتلك الآيتان واللتان تحملان صفتين من صفات أهل المنزلة الرفيعة من الجنة. في إحدى مراحل عمري وعندما انتقلت من مدرسةِ إلى أخرى تختلف بيئتها ويختلف نهجها عن تلك التي اعتدت عليها منذ الصِّغر واجهت العديد من الإساءات فيما يتعلّق بلهجة حديثي، حجابي، مُعتقداتي، وما أؤمن بِه .. لم أكُن أُحسِن الرد على المُسيئين وبدلاً من ذلك أُطأطئ رأسي حُزناً على ما فقدت من ثقافة التعايش في مدرستي التي تسبقُها. كنت كثيراً ما أهرع إلى القرآن الكريم لأتدبّر بعض الآيات وأستشعر المُواساة الإلهية. مرة، في أثناء قراءتي وتدبُّري أتت عينيّ على الآيتين : "وعبادُ الرحمن الذين يمشون على الأرضِ هَوناً * وإذا خاطبَهُم الجاهلون قالوا سلاماً" شعرت حينها أن الله يوجّهُني بالمسير بسكينة وسلام ودونما أيّ ردة فِعل تجاه تلك الإساءات في تلك البيئة الجديدة، وأدركت حينها كم هو مهم وواجب علينا أن نتقبّل الآخرين كما هُم بما وُلِدوا عليه من ثقافات والتي قد تكون من وِجهةِ نظرهم صائبة بينما أراها خاطئة ثم يأتي آخر ليراها صائبة وهكذا دواليك. وعلى الرغم من مُحاولات التعايش التي صارعت نفسي لخَوضِها إلا أنني في كل مرة أتقدّم خطوة أو خطوتين ثم يحدث موقف جديد من مواقف الإساءات التي كنت أتعرض لها وأعود إلى نقطة البداية، علِمت حينها أنني قبلت باختلافهم عني على الرغم من عدم اتفاقي معهم في كثير من الأمور التي كانوا يطبِّقونها كمبادئ يلتزمون بها إلا أنهم لم يقبلوا اختلافي عنهم وبقيوا كثيراً ما يُسيئون إلي إلى اللحظة التي أكتب فيها هذه الأحرف. لا أعلم كيف يحملون الإسلام ديناً ويتجاهلون قول الله تعالى : "وجعلناكُم شُعوباً وقبائل لِتعارَفوا" وهي آية صريحة المقصد بوُجود مئات إن لم تكن آلاف الحضارات والأعراق على مَر التاريخ منها ما لايزال بيننا اليوم على هذه الأرض؛ إذاً فعلينا تقبُّل الإنسان كيفما كان لاسيّما عندما يكون انتقاله من بيئته ومَوطنه الذي ترعرع به انتقالاً جبريّاً لا خيار له فيه، ولذلك .. بقيتُ أقابل جهلهم لِثقافة الاختلاف بكُل حُزنٍ وسلام!!!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فتوكّل على اللهِ إنّك على الحقِّ المُبين

والله يعلمُ وأنتُم لا تعلمون