سِحر الكلمة

تحسّبتُ أن أُرتقِب الوِدّ والتقدير مِمّن حولي جِراء أيُّ عملٍ أقوم بِه واعتادَت نفسي ذلك. قد يرى البعضُ أنه أمرٌ إيجابي، فالمُؤمن يعمل الخير دون انتظار المقابل عليه إعمالاً بِقولهِ تعالى : "إنًما نُطعِمُكم لِوجهِ اللهِ لا نُريد منكُم جزاءً ولا شُكوراً" وكنتُ من تلك الفئة إلى أن شعرتُ بِتأثيرِ الكلمة ...
بينما كنت منذُ شهرين مضت في دورة بِإحدى المستشفيات، بقيتُ ألحظ الجُمود في تعامُلاتِ الناس مع بعضهم البعض حتى أن الابتسامة كادَت أن تنعدم على شفاهِهم إلّا مَن رحِم ربّي. وفي آخرِ يومٍ لِلدورة وعند اختِتامها خُضتُ حديثاً مع أحدِ الأطِبّاء الذين زرعوا بِداخلي زهرة آملُ أن تتورّد رحيقاً له حين قال لي : "راح تكوني طبيبة كويِّسا" حينها أدركتُ أنّنا تغافلنا عن قوله جَلّ في عُلاه في آياتٍ مثل : "إلَيه يصعدُ الكلِمُ الطيِّب" و "ولو كُنت فَظّاً غليظ القلب لانفضّوا من حَولِك" وجميعها آيات تدعوا إلى الّلين والرحمة والرِّفق بِالآخرين، وعلِمتُ أنّني لم أكُن على صواب حين اعتدتُ ألّا انتظر تقديراً (بِالكلماتِ) من أحدهم، فقد وجدتُ وقعها في روحي كبيراً فتح لي أبواباً من النور أضاءت لي يومي وأشعلت فرحةً استثنائية لم أعهدها من ذي قبل إذ أنّني كنتُ أعيش في خَواءِ التّقدير.
إن القرآن الكريم لم ينزِل لِشقاءِ العباد وإنّما لِسعادتهم فالأجدر أن نعمل وننظر بِآياتِ الرحمة والرأفة أولاً ومن ثَمّ التدرُّج إلى أن نصِل لِآياتِ التصرُّف والعقاب الإلهي فيُصبح بذلك خُلُقنا القرآن. ذلك لا يعني أن نفعل ما نقوم به لِلآخرين دون أن نَوَدُّه حتى نحظى بِتقديرٍ أو جاهٍ ما، ولكن نفعل ما نودُّه انبثاقاً من أعماقِنا –ابتِغاء مرضاتِ الله- حتى إن لم نجِد تقديراً لا ينطفِئ بريقنا، فما لم يكُن من القلب لا يصل إلى القلب، كما أن الامتنان لِلآخرين ولِأبسطِ ما تُقدِّمه لنا الحياة مع القدر يقلبُ أرواحنا إلى كرنفالاتٍ من السعادة الدائمة التي لا يستطيع شيئاً إخمادها ما دُمنا نُبصر بِقُلوبنا لا بِأعيُنِنا.

جمِّلوا أرواحكم وحياة من حولكُم بِتقديركم لهم ولو بِكلمة واحدة (شُكراً)، فإنّ سِحر الكلمات لا يُبطِله شيء.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

وعِبادُ الرحمن الذين يَمشون على الأرضِ هَوناً وإذا خاطبهم الجاهِلون قالوا سلاماً

تطوير التعليم وأهميته

فتوكّل على اللهِ إنّك على الحقِّ المُبين